آخر الاخبار

2022/03/28

وجهة نظر

حول مقترحات خطة وكالة الطاقة الدولية

لمواجهة احتمال خروج النفط الروسي من الأسواق

إعداد المهندس تركي حسن حمش

خبير بترول

بعد تقرير متفائل في مطلع عام 2022 رفعت فيه وكالة الطاقة الدولية تقديراتها لنمو الطلب على النفط إلى 99.7 مليون ب/ي، أبدت الوكالة في تقريرها الشهري الصادر في آذار/ مارس 2022 تخوفها من حدوث صدمة عالمية في إمدادات النفط عقب العقوبات المفروضة على روسيا، واحتمال الإحجام عن شراء النفط الروسي. ورأت الوكالة أنه لتفادي تلك الصدمة يجب التركيز على قطاع النقل، حيث يمكن (حسب التقرير) خلال أربعة أشهر الاستغناء عن 2.7 مليون ب/ي من النفط إذا التزمت (الاقتصادات المتقدمة) في العالم بخطة من عشرة بنود من بينها خفض السرعة المسموح بها للمركبات بنحو 10كم/ساعة على الطرقات الرئيسية، والعمل من المنزل لمدة تصل إلى ثلاثة أيام في الأسبوع، ومنع استخدام السيارات في المدن أيام الأحد (العطلة الأسبوعية)، واستبدالها بركوب الدراجات الهوائية أو بالمشي. ومن البنود أيضاً استخدام القطارات بدل الطائرات حيثما أمكن، بل وتجنب السفر الجوي كلياً في حال وجود بدائل أخرى. 

ولم يكن من المستغرب أن تضيف الوكالة بنداً أخيراً يدعو إلى الدعم القوي لاستخدام السيارات الكهربائية. لكن اللافت للنظر في هذا البند أنه سوف يساهم في تخفيض الطلب على النفط بمعدل 100 ألف ب/ي فقط، بينما يمكن لتخفيض السرعة بمقدار 10 كم/ساعة (بحسب الخطة المنشورة)[*] أن يساهم في تخفيض إجمالي الطلب بحوالي 430 ألف ب/ي. ولا يغيب عن البال هنا أن استخدام المزيد من السيارات الكهربائية، يعني عملياً استخدام المزيد من الكهرباء التي لا يزال الوقود الأحفوري هو المصدر الرئيسي لها في معظم دول العالم تقريباً سواء كانت من الاقتصادات المتقدمة أو النامية، وهو ما لم تشر إليه خطة الوكالة الدولية. وقد لوحظ مؤخراً مسارعة بعض دول العالم وخاصة في أوروبا لتسريع خطط للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، لكن هذه الخطط لن تكتمل عملياً قبل عام 2030، مما يعني أنها لن تكون مجدية على المدى القريب لمواجهة أزمة الطاقة في حال الاستغناء الأوروبي عن النفط الروسي. بينما عملت دول أخرى على مسارٍ آخر تتمثل بإعادة جدولة خطط لوقف إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة النووية في عام 2025، إلى عام 2035. وأعلنت دول أخرى عن نيتها لتخزين احتياطي استراتيجي من الفحم الحجري. 

وبالنظر إلى الغاز، يبدو الأمر أكثر تعقيداً -بالنسبة إلى أوروبا على الأقل- من مجرد اتباع خطة وكالة الطاقة الدولية،[1]IEA. 10-Point Plan to Cut Oil Use https://iea.blob.core.windows.net/assets/07d11589-2276-491d-9ab4-d63bfa83475f/10PointPlantoCutOilUse_Infographic.pdf  فقد نشرت المفوضية الأوروبية في الثامن من آذار/ مارس 2022 بياناً بعنوان" العمل الأوروبي المشترك من أجل طاقة أكثر أماناً واستدامة وبأسعار معقولة[†]"، أوضحت فيه ضرورة خفض الاعتماد على الغاز في قطاع الطاقة بحوالي 20 مليار متار مكعب. ودعا البيان صراحة إلى تسريع عملية خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري ورفع نسبة مساهمة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة.  لكن البيان نفسه أكد الحاجة إلى رفع ورادات الغاز الطبيعي المسال بنحو 50 مليار متر مكعب، لتعويض الغاز الروسي في حال توقفه، وهو أمر يواجه العديد من العوائق التي من أهمها ضرورة الحد من استهلاك الغاز المسال في بقية أسواق العالم (وخاصة الصين) لتوفير ما يكفي لأوروبا[‡]، أو ضخ المزيد من الاستثمارات في مشاريع الغاز الطبيعي المسال، وهذا يتعارض مع دعوة وكالة الطاقة الدولية للحد من الاستثمارات في مجال الصناعة البترولية.

مما تقدم ترى الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أن خطة وكالة الطاقة الدولية لمعالجة الخروج المحتمل للنفط الروسي إلى أوروبا من الأسواق من خلال تغيير نمط الحياة كلياً لسكان نصف الكرة الغربي خلال بضعة أشهر تبدو صعبة التحقيق، كما أن الوكالة لم تشر إلى أن تراجع الاستثمارات في مجال الاستكشاف والإنتاج والذي دعت له في شهر أيار/مايو 2021، والذي تضمن دعوة صريحة للمستثمرين للتوقف عن تمويل مشروعات النفط والغاز والفحم الجديدة قد يتسبب في تراجع الإنتاج، بينما تقول القاعدة العامة في هذا المجال إن على الشركات أن تخصص نحو 80% من نفقاتها الرأسمالية لتعويض الاحتياطيات سنوياً. 

ولا يخفى أن توفر السعة الإنتاجية يساهم في حماية أسواق النفط من التقلبات الحادة في الأسعار والتي يكون لها آثار شديدة التأثير على اقتصادات العالم وخاصة في الدول الفقيرة. وهنا تؤكد الأمانة العامة على أن الاهتمام بأمن الإمداد، يجب أن تقابله آليه واضحة للاهتمام بأمن الطلب بالنسبة للدول المنتجة، التي يراد منها أن تحافظ على سعة إنتاجية احتياطية في نفس الوقت الذي تتداعى فيه الدول المستهلكة للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

[1] https://eur-lex.europa.eu/legal-content/EN/TXT/?uri=COM%3A2022%3A108%3AFIN

[1] Fulwood et al. The EU plan to reduce Russian gas imports by two-thirds by the end of 2022: Practical realities and implications. https://a9w7k6q9.stackpathcdn.com/wpcms/wp-content/uploads/2022/03/Insight-110-The-EU-plan-to-reduce-Russian-gas-imports-by-two-thirds-by-the-end-of-2022.pdf