آخر الاخبار

1 2023/05/18
مشروع قانون "نوبك" سيصيب الاقتصاد الأمريكي قبل غيره

مشروع قانون "نوبك"

سيصيب الاقتصاد الأمريكي قبل غيره

المهندس تركي حسن حمش

خبير بترول/ استكشاف وإنتاج

تداعت أغلب دول الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التوقف عن استخدام النفط الروسي والبحث عن دول بديلة لتعويض وارداتها، وذلك في إطار مواجهة مباشرة تلت الأزمة الروسية الأوكرانية. وقد تسبب ذلك في ارتفاع أسعار النفط والغاز والمشتقات النفطية، حيث تخطى سعر النفط حد 100 دولار /البرميل في الأول من آذار/مارس عام 2022، أي بعد خمسة أيام من بدء الأزمة الروسية الأوكرانية. شكل ذلك ضغوطاً كبيرة على الإدارة الأمريكية الحالية والتي لم تستطع الوفاء بأغلب تعهداتها الانتخابية المتعلقة بالطاقة، فكان المتنفس لها هو تمرير اللجنة القضائية التابعة للكونغرس الأمريكي، مشروع قانون "نوبك"، (No Oil Producing and Exporting Cartels)، وهو مشروع قانون موجه ضد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) كانت صيغته الأولى قد قدمت إلى الكونغرس الأمريكي من قبل عضو الحزب الجمهوري (Steve Chabot) في 21 سبتمبر عام 2000، كتعديل على قانون "شرمان" لمنع الاحتكار (Sherman Antitrust Act)، وهو أحد القوانين الاتحادية لتشريع فدرالي رئيسي ضمن قانون المنافسة الأمريكية صدق عليه الكونجرس عام 1890.

ينص المشروع على أنه يجب أن يعتبر من غير القانوني على أي دولة أو هيئة أن تعمل على الحد من إنتاج أو توزيع النفط أو الغاز الطبيعي أو أي منتج بترولي آخر، أو تحدد أو تحافظ على سعر النفط أو الغاز الطبيعي أو أي منتج بترولي، أو تتخذ أي إجراء آخر لتقييد التجارة بالنفط أو الغاز الطبيعي أو أي منتج بترولي.

وينص مشروع قانون "نوبك" كذلك على أن أي دولة "تنتهكه" ستفقد حصانتها السيادية من الأحكام الصادرة عن محاكم الولايات المتحدة في أي إجراء يتم اتخاذه. ويذهب مشروع القانون إلى أنه لا يجوز لأي محكمة في الولايات المتحدة أن ترفض اتخاذ قرار بشأن الدعاوى في هذا الأمر، وأنه يجوز للمدعي العام للولايات المتحدة، ولجنة التجارة الفيدرالية، رفع دعوى لإنفاذ هذا القسم من القانون في أي محكمة محلية في الولايات المتحدة على النحو المنصوص عليه بموجب قوانين مكافحة الاحتكار.

يلاحظ عملياً أن المقصود من القانون رفع الحصانة عن شركات النفط الوطنية في دول (أوبك)، واتخاذ إجراءات قضائية ضد هذه الشركات، بدعوى "محاولة الحد من المعروض من النفط، وتأثير ذلك على الأسعار".

هناك مزاعم -لا أساس لها- ترى أن منظمة أوبك استغلت الأزمة لرفع أسعار النفط، لكن تتبع الأسعار وبحسب بيانات وكالة الطاقة الأمريكية نفسها، يوضح أن الأسعار وإن ارتفعت فعلاً بعد بداية الأزمة الروسية الأوكرانية في 24 شباط/فبراير 2022، لتتخطى حاجز 120 دولار/ البرميل، لكن الأسواق امتصت الصدمة بشكل أسرع من المتوقع في ضوء أزمة كهذه، وعادت أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الأزمة منذ الثالث من آب/أغسطس 2022. بل يلاحظ أيضاً أن الأسعار تراجعت بعدها بشكل مستمر ليبلغ متوسطها حوالي 76 دولار/البرميل خلال الربع الأول من عام 2023.

يبدو بوضوح أن قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بخفض إنتاج النفط، كان وراء السبب في تحريك ملف مشروع القانون مؤخراً كورقة ضغط على هذه المنظمة. لقد نوقشت خلال 23 عاماً نسخ مختلفة من مشروع القانون في الكونجرس الأمريكي، ولكن ذلك المشروع لم يتم تمريره إلى قانون قط، فهناك في الواقع معارضة لمشروع القانون يتبناها بشكل رئيسي معهد البترول الأمريكي (API) الذي يمثل عملياً مصالح الشركات الأمريكية العاملة في الصناعة البترولية.

وقد أشار الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد البترول الأمريكي إلى ذلك بصراحة من خلال رسالة وجهها في التاسع من الشهر الجاري إلى الكونجرس، ذكر فيها أن: أفكار مشروع قانون "نوبك" ليست جديدة، لكنها قد تضر بجهود الولايات المتحدة لمعالجة قضايا إمدادات الطاقة. ورأى أن الجهود التشريعية التي تعزز إنتاج الطاقة الأمريكية ستكون أفضل نهج لضمان استقرار السوق وحماية أمن الطاقة في أمريكا.

وبينت الرسالة التي نشرت على موقع معهد البترول الأمريكي، أن التشريع المقترح يهدد بعواقب وخيمة على صناعة النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، ونجاحها المستمر في احتواء ما دعاه بالتأثيرات السلبية لأوبك على السوق. لكن الرسالة أكدت من ناحية أخرى أنه وفقاً لإدارة معلومات الطاقة (eia)، فقد ارتفع إنتاج النفط الأمريكي بأكثر من الضعف منذ عام 2010، كما أن إدارة معلومات الطاقة تتوقع زيادة سنوية بمتوسط 640 ألف ب/ي من إنتاج النفط في عام 2023 و160 ألف ب/ي إضافية في عام 2024. مما يعني -وفقاً لرئيس معهد البترول الأمريكي- بأن "هذا الإنتاج المتزايد سيوفر فوائد للشعب الأمريكي، ويمكن أن يقلل بشكل كبير من تأثير دول أوبك، وهما هدفان أساسيان لمشروع القانون".

ولابد قبل المتابعة من تسجيل علامة تعجب كبيرة، إذ أن المنظور الأمريكي الذي يريد محاكمة دول أوبك، هو نفس المنظور الذي رفع في أواخر عام 2022 العقوبات عن فنزويلا -العضو في أوبك- حين منح شركة Chevron ترخيصاً من "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي" "OFAC"، يسمح للشركة بإنتاج النفط الخام والمنتجات البترولية من مشاريعها في فنزويلا، كما استثنى إيران -العضو في أوبك- من بعض العقوبات الأمريكية، ليسمح لها بتصدير المواد المذيبة (Diluents) التي تساعد على إنتاج النفط الفنزويلي الثقيل جداً، على أن يتم تصدير كامل الإنتاج إلى الولايات المتحدة.

لا شك أن مشروع قانون "نوبك" في حال تمريره، سيلعب دوراً سلبياً في تذبذب أسعار النفط، مما سيكون له ضرر فادحٌ على منتجي النفط الأمريكيين قبل غيرهم، إذ يلاحظ من تتبع تاريخ إنتاج النفط الأمريكي أن إنتاج النفط التقليدي في تراجع مستمر منذ عام 1971، بينما بات نفط السجيل (الزيت الصخري) يمثل نحو 67% من إنتاج النفط الأمريكي. وبعد أن كان معدل إنتاجه لا يتجاوز 360 ألف ب/ي في عام 2000، فقد وصل هذا المعدل إلى نحو 8.3 مليون ب/ي في الربع الأول من عام 2023. وتقدر منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أن عائدات إنتاج نفط السجيل قفزت من حوالي 4 مليار دولار عام 2000، إلى أكثر من 277 مليار دولار عام 2022. وبهدف المقارنة، يمكن الإشارة إلى أن هذا الرقم يعادل 11 ضعفاً من الدين الخارجي الأمريكي في عام 2022، والذي بينت وزارة الخزانة الأمريكية أنه بلغ أكثر من 24.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2022.

لقد ساهم الارتفاع النسبي في أسعار النفط في وضع المزيد من احتياطيات زيت السجيل الأمريكي ضمن المجال الاقتصادي للإنتاج، ففي عام 2022، ارتفعت تقديرات الاحتياطي في الولايات المتحدة بنحو 18 مليار برميل كنتيجة لإعادة تقدير بعض الاحتياطيات نتيجة الارتفاع النسبي في أسعار النفط خلال عام 2022، وبطبيعة الحال بيعت الكميات المنتجة بأسعار حققت عوائد أكبر. وبلغ إنتاج نفط السجيل في ذلك العام أعلى معدل له في التاريخ حيث وصل إلى 8.39 مليون ب/ي.

وفي نفس الوقت ارتفعت تقديرات احتياطي الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بنحو 4 ترليون متر مكعب، أي بنسبة 34% بين عامي 2021 و2022، وهو أمر برزت أهميته بوضوح عند ارتفاع صادرات الولايات المتحدة من الغاز المسال في عام 2022 بنسبة 9% مقارنة بعام 2021، علماً أن متوسط أسعار الغاز في عام 2022 بلغ 6.6 دولار لكل مليون وحدة حرارة بريطانية، مقارنة بحوالي 3.3 دولار لكل مليون وحدة حرارة بريطانية في عام 2021.

في المجمل، تقدر منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أن عائدات إنتاج نفط السجيل الأمريكي منذ عام 2000 وحتى نهاية الربع الأول من العام الحالي، تجاوزت 1.8 تريليون دولار.

من جهة أخرى، لو أقر هذا القانون، فقد لا تقف الدول مكتوفة الأيدي، إذ قد تتخذ إجراءات مضادة -لحماية مصالحها- تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى زيادة أزمة الطاقة في الولايات المتحدة، وبالتالي يؤدي القانون المقترح إلى تعقيد المشكلة التي يواجهها المستهلك الأمريكي بدل حلها.

يمكن القول باختصار إن الحلول لمشاكل الطاقة الأمريكية ليست في رمي الكرة إلى ملعب الدول المنتجة للبترول، بقدر ما هي في النظر بواقعية إلى القيمة الفعلية لإنتاجها المحلي من النفط والغاز بعيداً عن تجاذبات الأحزاب السياسية التي يتخذ بعضها الشؤون البيئية كورقة انتخابية، والنظر بواقعية كذلك إلى القيمة الفعلية لمشاريع الطاقة المتجددة التي تبشّر بها، والتي ترفضها العديد من المجتمعات المحلية في الولايات المتحدة، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد مشاريع الطاقة المتجددة التي رفضتها المجتمعات المحلية ارتفع من 54 مشروعاً عام 2021، إلى 136 مشروعاً عام 2022. وربما يمكنها كذلك إعادة تقييم حجم المساعدات التي تقدمها لسوق السيارات الكهربائية والاقتناع بأن خططها للتخلص من كافة محركات الاحتراق الداخلي أو حظرها خلال عقدين من الزمن، لا يزال حلماً بعيد المنال.