آخر الاخبار
2024/01/15
مقال: توقفوا عن استخدام النفط.. حقاً؟
مقال: توقفوا عن استخدام النفط.. حقاً؟
المهندس تركي حسن حمش
في الرابع عشر من يوليو 2023، ألقت نائبة الرئيس الأمريكي Kamala Harris خطاباً في جامعة Coppin State في ولاية ماريلاند، حول مواجهة التغير المناخي وبناء اقتصاد يعتمد على الطاقة النظيفة. وبغض النظر عن كل تفاصيل الخطاب والوعود البيئية التي أوردتها السيدة هاريس، فإن كلمة واحدة استوقفت كل من سمعها، إذ ورد في الخطاب:
"عندما نستثمر في الطاقة النظيفة وفي السيارات الكهربائية وفي (تخفيض عدد السكان)، فإن المزيد من أولادنا سيتنفسون هواء أنظف ويشربون مياهاً أنقى".
وبطبيعة الحال، فإن عبارة (تخفيض عدد السكان) كانت زلة لسان من السيدة هاريس، فالكلمة الإنكليزية لعدد السكان هي Population، بينما قصدت السيدة هاريس Pollution، أي تخفيض التلوث. هذا على الأقل كان التبرير الرسمي الذي صدر عن البيت الأبيض حول تلك العبارة التي أثارت الجدل في حينها.
هذه المقدمة تعنى بنقطة باتت محور اهتمام كل الصناعات في العالم أجمع تقريباً "التغير المناخي، ودور الوقود الأحفوري فيه". إذ أن السؤال الذي يجب أن يبحث فعلياً، هو: هل يمكن الحد من استخدام الوقود الأحفوري فعلاً؟ وإذا تم الحد من استخدامه، فهل سيؤثر ذلك على التغير المناخي؟ وبالتأكيد ليس المقام هنا هو بحث حقيقة وجود تغير مناخي أساساً، أو هل التغير المناخي بسبب التأثيرات البشرية على الكوكب أم أنه تغير مرتبط بالدورات الكونية وغيرها.
يرى البعض أن الطاقة النووية هي الحل الأنظف والأرخص للتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، كونها أثبتت وجودها عبر عقود طويلة. وربما يغيب عن البال أحياناً أن الطاقة النووية تولد الكهرباء فقط، لكن الطاقة التي يستهلكها العالم ليست مجرد كهرباء، بل لم تشكل الكهرباء أكثر من 20% من إجمالي الطاقة التي استهلكها العالم عام 2023. وهذا بالمناسبة هو الرقم الذي تتبناه الجهة التي باتت مؤخراً الأكثر تعصباً ضد الوقود الأحفوري، وهي وكالة الطاقة الدولية.
تشير بيانات معهد الطاقة (EI) إلى أن حصة الطاقة النووية من توليد الكهرباء لم تتجاوز 9.2% في عام 2022، تم توليدها عبر 441 مفاعلاً موزعة على عدة دول في العالم. وبالتالي، فلو تم الافتراض (جدلاً) بأن كل الطاقة التي يستهلكها العالم هي طاقة كهربائية ويمكن توليدها من المفاعلات النووية، فلا بد من مضاعفة سعات الطاقة النووية أكثر من 50 ضعف السعة الحالية حتى يمكن تلبية ذلك الطلب، أي أن عدد المفاعلات اللازمة سيكون أكثر من 22000 مفاعل، وهذا كما هو واضح أمر مستحيل حتى لو تم تجاهل البنية التحتية اللازمة لهذا العدد الهائل من المفاعلات، وكميات المواد الأولية والوقود النووي اللازم.
ولو تم النظر بنفس الطريقة إلى مصادر الطاقة البديلة (الشمس والرياح)، فلن يختلف الأمر كثيراً، إذ أن معدل نمو هذه المصادر وسطياً خلال السنوات العشر الماضية كان 0.5% سنوياً، ناهيك عن أن حصتها في مزيج الطاقة العالمي عام 2022 كان 5.2%، أي أكثر بقليل فقط من نصف حصة الطاقة النووية.
لا يختلف اثنان حول وجود علاقة أساسية بين الناتج المحلي الإجمالي GDP وبين الطلب على الطاقة، فزيادة الناتج المحلي الإجمالي تعني زيادة الطلب على الطاقة. والعكس صحيح، إذ أن تراجع استهلاك الطاقة في عالم اليوم يعني تراجع الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني -من بين أشياء أخرى- زيادة الفقر، والأمثلة على ذلك أوضح من أن تخفى.
كما لا يختلف اثنان على أن استخدام الوقود الأحفوري ساهم أساساً في ازدهار الحياة البشرية وربط العالم ببعضه من خلال المواصلات واستغلال المصادر الأخرى المتاحة على الكوكب، ويمكن الحديث لفترة طويلة عن دور النفط والغاز في الصناعات المختلفة، ووجود المشتقات النفطية والمواد البتروكيمائية في كل شيء حولنا تقريباً، لكن هذا ليس بيت القصيد هنا. فالخلاصة هي أن ازدهار العالم لصالح البشرية -وهو الهدف المعلن لدعاة الحد من استخدام الوقود الأحفوري- متعلق فعلياً باستخدام المزيد من الطاقة، وما دامت طاقة الوقود الأحفوري هي المهيمنة على الصورة (أكثر من 82% من مزيج الطاقة العالمي)، فإن التوقف عن استخدامها أو الحد منها، سوف ينعكس سلباً على العالم أجمع.
إن الواقع العلمي والعملي يبينان أنه ما دام هناك نمو سكاني، فسوف يقابله حتماً نمو في الطلب على الطاقة، وهذا يؤكد على أن العالم بحاجة لكل تطور محتمل وممكن في مصادر الطاقة أياً كان نوعها، ويؤكد بالضرورة أيضاً على أن النفط والغاز سيبقيان مصدر الطاقة الرئيسي في العالم لعقود عديدة قادمة، لذلك لا مناص من ضخ المزيد من الاستثمارات في الصناعة البترولية، خاصة وأن الدول المنتجة -وعلى رأسها الدول العربية- تعمل كل ما بوسعها لضمان طاقة نظيفة وتحول آمن ومستدام للطاقة.