آخر الاخبار

1 2024/07/02
المعادن الحرجة: تقييم واقعي بقلم الاستاذ هيثم الغيص، الأمين العام لمنظمة أوبك

المعادن الحرجة: تقييم واقعي

الأستاذ هيثم الغيص، الأمين العام لمنظمة أوبك

تعتبر مسارات الطاقة المستدامة أمر حيوي بالنسبة لسكان العالم. وعليه، فالحاجة ملحة إلى القيام بتقدير وتقييم التأثيرات الواقعية للسيناريوهات والسياسات التي تهدف إلى زيادة الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية (EVs).

فهناك العديد من العناصر التي تدخل في هذا الأمر، وأحد العناصر الرئيسية هو الدور المؤمل أن تلعبه المعادن الحرجة.وتدعم هذه المعادن، مثل النحاس والكوبالت والسيليكون والنيكل والليثيوم والجرافيت والمعادن الأرضية النادرة، عمليات تطوير مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية. فقد أشارت وكالة الطاقة الدولية (IEA) في سيناريو "صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050"، أن الطلب على المعادن الحرجة سيتضاعف بأربع مرات بحلول عام 2040، وهي وتيرة زيادة لم نشهدها من قبل.

إن ما يثار حول هذا الموضوع يجب ألا يصرفنا عن تسليط الضوء على الأهمية التي تعلقها منظمة أوبك على دور الطاقة المتجددة والكهرباء في مزيج الطاقة المستقبلي. يذكر في هذا السياق، قيام الدول الأعضاء في أوبك بالاستثمار بشكل كبير في جميع مراحل سلاسل التوريد الخاصة بمصادر الطاقة المتجددة، وليست غافلة أيضا عما يدور في مجال تطوير المركبات الكهربائية حيث تبذل جهود أيضا في هذا الشأن.

وعلى الرغم من ذلك، فإننا بحاجة ماسة إلى النظر بعناية فائقة فيما يخص طبيعة هذا التوسع في متطلبات المعادن الحرجة. والاسئلة التي تطرح نفسها هي: هل هذا النوع من التوسع يمكن تحقيقه بسهولة؟ وما هي التبعات والتداعيات لهذا التوسع؟ وما مدى استدامته؟ وما مدى أهمية النفط والغاز في توسيع نطاق المعادن الحرجة، وكذلك مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والشبكات؟

بحسب سيناريو "صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050" لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع بحلول عام 2040 أن يرتفع الطلب على النحاس بنسبة 50%، وأن يتضاعف تقريبا الطلب على المعادن الأرضية النادرة، ويتضاعف الطلب على الكوبالت بأكثر من ضعفي ما هو عليه، ومن المتوقع أن يقترب الطلب على النيكل من ثلاثة أضعاف وضعه الحالي. وهذه الزيادات ليست مقتصرة على المعادن سالفة الذكر، بل يتوقع ذات السيناريو أيضا أن يزداد الطلب على الجرافيت بحوالي أربع مرات، ويشهد الليثيوم توسعًا كبيرا بما يقارب من تسعة أضعاف بحلول عام 2040، مما يبرز دوره الحاسم في تصنيع البطاريات.

لا شك أن الزيادات المتوقعة في الطلب على المعادن، سيتطلب بناء عدد كبير من المناجم الجديدة. وكانت وكالة الطاقة الدولية قد أشارت في عام 2022 الى أنه بحلول عام 2030 فقط، سيحتاج العالم إلى بناء 50 منجمًا جديدًا لليثيوم، و60 منجمًا جديدًا للنيكل، و17 منجمًا للكوبالت.

ومن الأهمية بمكان أن يتم الاخذ في الحسبان أن مشاريع سلسلة التوريد الحرجة لمثل هذه الأنواع من السلع، كانت تتطلب فترات تطوير طويلة من مرحلة الاكتشاف حتى الوصول لمراحل الإنتاج الأولي. والسؤال المطروح هو: هل هذا النمو واقعي؟ وما هو التأثير إذا كان النمو أقل مما هو متوقع؟، والأهم من كل ذلك، ماذا لو قام صانعو السياسات بانتهاج مسار عدم الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة؟

إن تطوير المعادن الحرجة يتضمن أنشطة استخراج ومعالجة جائرة، مما يبرز القسوة المادية لعالم مكهرب. إن تصنيع المركبات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والألواح الشمسية، وكذلك الشبكات الجديدة، جميعها تتطلب المعادن الحرجة. ويتضح هذا الأمر بشكل واضح وجلي عند إجراء المقارنات التالية:

تحتوي المركبة الكهربائية على حوالي 200 كجم من المعادن مقارنة بحوالي 34 كجم تستخدم في نظيرتها السيارة التقليدية. ونحتاج إلى حوالي 15 طنًا من المعادن لتوليد ميغاواط واحد من الكهرباء بواسطة توربينات الرياح البحرية، وحوالي سبعة أطنان لتوليد ميغاواط واحد من الكهرباء بواسطة للطاقة الشمسية مقابل الحاجة الى ما يزيد قليلاً عن طن واحد إذا ما تم التوليد بواسطة الغاز الطبيعي.

والأمر الآخر الجدير بالذكر والاهتمام، هو أن عملية التعدين المتعلقة بالمعادن الحرجة يمثل نشاط كثيف الاستهلاك للطاقة، وعملية التعدين تلك تعتمد بشكل أساسي وكبير في الوقت الحاضر على الهيدروكربونات ولا يمكن الحديث عن بديل آخر بخلاف ذلك.

إن استخدام الفحم والغاز أمر ضروري في تكرير المعادن التي تتم عبر عمليات حرارية وكيميائية متنوعة، كعمليات المزج، للمساعدة في إزالة المعادن الأخرى، وعمليات التسخين إلى درجات حرارة عالية لإنتاج أشكال أكثر نقاءً. كما تستخدم المنتجات البترولية أيضًا في الحفارات، والجرافات، والشاحنات القلابة في الموقع، بالإضافة إلى أشكال مختلفة من النقل لتحويل المعادن من أماكن التوريد إلى مراكز الطلب.

وتجدر الإشارة هنا الى تصريحاتنا السابقة ضمن فعاليات COP28 بشأن أهمية التركيز على نهج شامل لنظام الطاقة حيث تم إبراز عدم إمكانية إنتاج التوربينات، والألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية بدون استخدام المنتجات البترولية الحيوية. إن صناعة النفط، وصناعة الطاقة المتجددة، وصناعة المركبات الكهربائية ليست منفصلة عن بعضها البعض ولا يمكن النظر الى واحدة من تلك الصناعات بمعزل عن الأخرى.

والنقطة الرئيسية الأخرى الجديرة بالاهتمام في هذا الموضوع هي معدلات استهلاك الطاقة، فأنشطة التعدين قد تشهد زيادة بأكثر من خمسة أضعاف مستوياتها الحالية بحلول منتصف القرن، ومن المتوقع أن يأتي أحد أكبر مصادر الطلب الجديد على المعادن، لا سيما النحاس، من الحاجة إلى بنية تحتية جديدة لشبكة الكهرباء، مثل خطوط الطاقة والمحولات. وبحسب ما أبرزته بلومبرغ في تقرير "آفاق الطاقة الجديدة" وفق سيناريو" عالم صافي الانبعاثات الصفرية (BNEF)"، سنكون بحاجة الى تمديد شبكة الكهرباء إلى مسافة قريبة من الشمس، أي لمسافة حوالي 152 مليون كيلومتر.

هل من الصواب ومن الواقعية أن نعتقد أن مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن تلبي التوسع المتوقع في الكهرباء وحدها، خاصة إذا ما تم النظر إلى أن العالم قد استثمر على مدى العقدين الماضيين أكثر من 9.5 تريليون دولار في "مشروع التحول"، ومع ذلك فإن حصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية لا تمثل سوى أقل من 4% من مزيج الطاقة العالمي، وللمركبات الكهربائية معدل اختراق عالمي إجمالي يتراوح ما بين 2% و3% فقط. وبالنظر إلى الآفاق المستقبلية، يشير تقرير "آفاق الطاقة الجديدة" الأخير من بلومبرغ NEF إن سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية سيكلف 250 تريليون دولار بحلول عام 2050.

ويرى صانعو السياسات أهمية الوقوف على كثافة الطلب على المعادن بحسب سيناريوهات صافي الانبعاثات الصفرية الأولية، والأسئلة التي تثار حول مدى سهولة زيادة إنتاج المعادن الحرجة باستمرار، وهو ما يتضح من حقيقة أن نسبة الزيادة في الاستثمارات العالمية في عام 2023 كانت أقل من عام 2022.

إن الذين يتحدثون عن دور المعادن الحرجة في الوصول بالعالم الى مستقبل لمصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية فقط، لا يقدمون الصورة كاملة بجميع أبعادها. فمنظمة أوبك تشير مرارا وتكرار الى أنه هناك العديد من مسارات الطاقة المستقبلية للأمم والشعوب في جميع أنحاء العالم، ويجب علينا جميعًا أن نكون واقعيين حول كيفية تحقيق ذلك.

يمكن الاطلاع على نص المقالة باللغة الانجليزية من خلال الرابط:
https://www.opec.org/opec_web/en/press_room/7346.htm