الخطب الرسمية

الوضع الحالي و المستقبلي لصناعة البترول في الدول الأعضاء في أوابك المؤتمر الدولي السابع عشر عن "البترول والثروة المعدنية و التنمية" جمهورية مصر العربية

9 – 11 فبراير 2014


بسم الله الرحمن الرحيم

سعادة المهندس محمد سعفان، رئيس مجلس إدارة شركات البتروكيماويات القابضة
ممثل معالي المهندس/ شريف إسماعيل - وزير البترول والثروة المعدنية
معالي الدكتور / رمزي جورج إستينو - وزير البحث العلمي والتكنولوجيا
الأستاذ الدكتور / أحمد محمد الصباغ - مدير معهد بحوث البترول
البروفيسور/ محمود صقر - رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا

السيدات والسادة،،

الحضور الكريم،، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله صباحكم،،

إسمحوا لي في البداية أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لمعهد بحوث البترول في جمهورية مصر العربية لدعوته الكريمة لنا للمشاركة في هذا الحدث البترولي الهام وكذلك نتقدم بالشكر الجزيل للجنة التنظيمية على التنظيم والإعداد الجيدين لفعاليات المؤتمر الدولي السابع عشر حول "البترول والثروة المعدنية و التنمية".

أصحاب المعالي ، الحضور الكريم،،

يسعدني أن أقدم في هذه الكلمة المختصرة نبذة سريعة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) والتطرق إلى الوضع الحالي للبترول والغاز للدول الأعضاء في المنظمة.

فمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، منظمة إقليمية متخصصة ذات طابع دولي مقرها دولة الكويت، أنشئت "باتفاقية" بين دول تنتج وتصدر البترول، وتهدف إلى التعاون فيما بينها، وتوحيد جهودها، لتحقيق أفضل السبل لتطوير الصناعة البترولية في شتى مجالاتها، وللإفادة من مواردها وإمكاناتها لإقامة المشاريع المشتركة، وخلق صناعة بترولية متكاملة، عن طريق التكامل الاقتصادي العربي المنشود، وإعداد الدراسات البترولية وتنظيم المؤتمرات والاجتماعات التنسيقية فيما بين دولها.

يبلغ عدد الدول الأعضاء حالياً عشر دول منتجة ومصدرة للبترول، وهي: دولة الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، الجمهورية الجزائرية، المملكة العربية السعودية، الجمهورية العربية السورية، جمهورية العراق، دولة قطر، دولة الكويت ، دولة ليبيا، جمهورية مصر العربية، بالإضافة إلى تونس التي عضويتها غير فعالة في الوقت الحاضر.

وقد قامت المنظمة بتأسيس العديد من المشروعات العربية المشتركة الناجحة مثل الشركة العربية البحرية لنقل البترول ، والشركة العربية للاستثمارات البترولية "أبيكورب" ، والشركة العربية لبناء وإصلاح السفن "أسري" ، والشركة العربية للخدمات البترولية ، ومعهد النفط العربي. كما أن المنظمة تقوم بتخصيص "جائزة أوابك العلمية" للمشتركين والفائزين من مواطني الدول العربية في مجال البحوث المتعلقة بالبترول والطاقة والغاز.

أصحاب المعالي ، الحضور الكريم،،

سوف نتطرق باختصار إلى المحاور الرئيسية التالية، وهي:


الوضع الحالي للدول الأعضاء في أوابك في السوق البترولية العالمية:

وفق بيانات عام 2012 ، بلغ عدد سكان الدول الأعضاء في منظمة أوابك مجتمعة نحو 239 مليون نسمة، يمثلون 66% من إجمالي سكان الدول العربية. وبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول المنظمة حوالي 2334 مليار دولار، ما يشكل 87 % من إجمالي الناتج المحلي العربي مقاسا بالأسعار الحالية.

تحتل الدول الأعضاء في أوابك مكانة هامة في أسواق النفط والغاز الطبيعي العالمية. فهي تقع في منطقة تترابط فيها العوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية. و الأهمية الحالية والمستقبلية تتضح من المؤشرات الرئيسية للطاقة المتمثلة في الاحتياطيات، والإنتاج والاستهلاك والصادرات من النفط والغاز الطبيعي.

ففيما يتعلق بالاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام فقد بلغت حوالي 703 مليار برميل في عام 2013 مستأثرة بحصة 55% من الإجمالي العالمي الذي بلغ 1277.7 مليار برميل في ذات العام. يذكر أن خمسة أعضاء في منظمة أوابك وهي المملكة العربية السعودية، العراق، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، وليبيا تستحوذ على حوالي 53 % من احتياطيات العالم المؤكدة من النفط. الأمر الذي يضع بلدان أوابك في القمة مقارنة بالمجموعات الدولية الأخرى.

وبالنسبة للغاز الطبيعي فقد وصلت احتياطيات دول أوابك منه نحو 53 تريليون متر مكعب عام 2013، مشكلة حصة 26.6% من الإجمالي العالمي الذي بلغ 198.8 تريليون متر مكعب .

و فيما يخص إنتاج النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي، فقد وصل إنتاج الدول الأعضاء من النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي في عام 2013 إلى ما يزيد عن 25 مليون ب/ي، أي ما يشكل حوالي 29% من الإجمالي العالمي البالغ نحو 85.6 مليون ب/ي.

وفيما يخص إنتاج دول أوابك من الغاز الطبيعي المسوق، الذي لا يشمل الكميات المعاد حقنها والمحروقة، فيبلغ في الوقت الحاضر نحو 566 مليار متر مكعب، لتشكل بذلك حصتها من الإجمالي العالمي نحو 16.4%.

وبالنسبة للاستهلاك المحلي من النفط والغاز الطبيعي المصدرين الرئيسيين للطاقة في دول أوابك ، فقد بلغ معدله بنحو 12.6 مليون برميل مكافئ نفط يومياً (ب م ن ي) عام 2013، منها 5.6 مليون ب م ن ي من المنتجات النفطية و 7 مليون ب م ن ي من الغاز الطبيعي. يذكر أن استهلاك الدول الأعضاء من هذين المصدرين آخذ في الارتفاع و يعود ذلك بالدرجة الأولى إلى الارتباط الوثيق بين الاستهلاك وزيادة السكان والتوسع العمراني لتلبية متطلبات النمو السكاني المتزايد، وارتفاع وتيرة النشاط الاقتصادي.

وبالنسبة للصادرات النفطية فقد وصلت في عام 2012 إلى حوالي 20.6 مليون ب/ي مشكلة حوالي 32% من إجمالي الصادرات النفطية العالمية التي بلغت نحو 64 مليون ب/ي.

وقد شكلت صادرات دول أوابك من مجمل الكميات المصدرة من الغاز الطبيعي بنوعيه المسيل والغازي نحو 21% أي حوالي 213 مليار متر مكعب.

هذا بالنسبة للوضع الحالي.

أصحاب المعالي ، الحضور الكريم،،

أما بالنسبة للوضع المستقبلي للدول الأعضاء في أوابك في السوق البترولية العالمية، فإننا نلاحظ أن الدور المحوري الذي تتمتع به دول اوابك في السوق النفطية العالمية سيفرض عليها بذل مزيد من الجهد نحو مقابلة الاستهلاك المتزايد من مصادر الطاقة التي تعد المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي.

ومن الجدير ذكره في هذا السياق، إن التغيرات في المشهد العالمي لسوق النفط وأسواق الطاقة عموماً أوجدت فرصاً وفرضت تحديات على الدول المنتجة والمصدرة للنفط ومنها الدول الأعضاء في أوابك. فمن الواضح أن التقلبات في أسواق النفط وعدم الاستقرار أياً كان مصدرهما وأسبابهما تؤثر على إنتاج وصادرات وعوائد النفط وحجم وأنماط الاستثمار في إنتاجه وتكريره مما يؤثر بالتالي على حجم ومعدلات النمو الاقتصادي وعلى استراتيجيات التنويع الاقتصادي وأساليب إدارة الإيرادات النفطية.

كما أصبح مستقبل دور النفط والغاز عالمياً وتوقعات الطلب والعرض وتطور الأسواق البترولية العالمية محددات هامة لاستراتيجيات التنمية في الدول العربية المصدرة للنفط.

وتشير معظم توقعات المنظمات والهيئات المتخصصة بالطاقة إلى أن معظم الزيادة في احتياجات العالم من الطاقة لعقود عديدة قادمة سيتم تلبيتها من أنواع الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) الذي من المتوقع أن يحافظ على حصة 80% في مزيج الطاقة العالمي مستقبلاً. ومن المتوقع أن يشكل النفط والغاز وحدهما نسبة 65% من إجمالي مصادر الطاقة المستهلكة بحلول عام 2035 بحسب العديد من التوقعات.

كما أن من المتوقع أن تساهم دول منظمة أوبك العالمية، التي من ضمنها سبع دول عربية أعضاء في منظمة أوابك، بنحو 90% من النمو في الإنتاج العالمي من كل من النفط التقليدي وغير التقليدي وسوائل الغاز الطبيعي خلال الفترة 2010 – 2035. و بالنسبة للإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي، فمن المتوقع أن تساهم الدول العربية بحوالي 22% من الزيادة في الإنتاج العالمي من الغاز خلال الفترة 2010 - 2035.

و كذلك من المتوقع أن تحافظ منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا الدول الأعضاء في منظمة أوابك، على حصتها من الصادرات العالمية من النفط، كما ستزيد حصتها من صادرات الغاز العالمية من 18% في الوقت الحاضر إلى 28% عام 2035.

وتماشياً مع التوقعات المستقبلية بشأن الطلب العالمي على النفط حتى عام 2035، فإن الدول الأعضاء تسعى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية للحفاظ على حصصها في السوق البترولية العالمية والعمل على استقرارها وتوازنها.

ويجدر التنويه هنا بأن إعداد توقعات الطاقة على المدى الطويل وعلى ضرورتها القصوى للمنتجين والمستهلكين لغرض التخطيط من نواح مختلفة، إلا أنه يكتنفها حالات عديدة من عدم التأكد واليقين عما يحمله المستقبل، الأمر الذي يستوجب النظر إليها بحذر عند إعداد خطط الإنتاج والاستثمار للمدى البعيد وذلك بأن تكون تلك التوقعات مبنية على فرضيات أكثر اقتراباً من الواقع وأفضل استشراقاً للمستقبل مع الأخذ في الاعتبار التغيرات في المشهد الاقتصادي العالمي وتحولات الطاقة والتطورات التقنية المتلاحقة وتوجهات سياسات الطاقة والبيئة وغيرها.

أصحاب المعالي ، الحضور الكريم،،


فيما يتعلق بالمحور الخاص بارتباط قطاع البترول بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية

كما تعلمون فإن الطاقة هي حجر الزاوية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويرتبط قطاع النفط والغاز الطبيعي بالتنمية في الدول العربية بشكل عام والدول الأعضاء في أوابك بشكل خاص، من خلال عنصرين أساسيين، أولهما استخدام النفط والغاز كمصدر للطاقة ومادة أولية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وثانيهما من خلال توفيرهما للعوائد المالية للدخل القومي وإنفاقها في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

وقد كان للعائدات النفطية ولا يزال دوراً رئيسياً في تعزيز عملية التنمية في الدول الأعضاء من خلال مساهماتها في معدلات النمو الاقتصادي والموازنة العامة والميزان التجاري. حيث أدى التحسن الملحوظ في أسعار النفط إلى ارتفاع في العائدات النفطية للدول الأعضاء لتصل إلى حوالي 719 مليار دولار عام 2012، وقد كان لذلك، الأثر الايجابي على الناتج المحلي الإجمالي العربي الذي تجاوز حاجز 2.0 تريليون دولار ليصل الى 2.3 تريليون دولار بأسعار السوق الجارية خلال عام 2012.

ومن ناحية أخرى فقد ساهمت العائدات النفطية وتوفر النفط والغاز الطبيعي في تعزيز العمل العربي المشترك عن طريق التعاون العربي في شبكات النفط والغاز الطبيعي القائمة والمزمع إنشاؤها بالإضافة إلى مشاريع الربط الكهربائي.


وفيما يتعلق بالتحديات المستقبلية :

فإن مكانة الدول الأعضاء في منظمة أوابك في الأسواق العالمية تجعلها تحمل على عاتقها مهمة مواصلة الاضطلاع بدورها الايجابي نحو استقرار السوق البترولية العالمية مع بذل كافة الجهود الممكنة للمحافظة على البترول كمصدر أساسي للطاقة نظراً لمساهمته الكبيرة في التنمية الاقتصادية لتلك الدول. والطريق نحو تحقيق ذلك لا شك أنه محفوف بعدد من التحديات، ولضيق الوقت سنركز هنا على نقطتين وهما أولا الموضوع المتعلق بالقضايا البيئية وربطها بالتغيرات المناخية. تقوم العديد من الدول العربية المنتجة للبترول بتطبيق المعايير الدولية للحفاظ على بيئة خالية من الملوثات وتستخدم تكنولوجيات من شانها تحسين نوعية النفط وتخفيض نسبة الانبعاثات ، إلا أن الإصرار على الربط بين بيئة خالية من الانبعاثات وبين استهلاك الوقود الاحفوري وعلى الأخص النفط الخام هو ما يجعلنا أن نكون حذرين تجاه قضايا التغيرات المناخية المطروحة في شكلها الحالي، إذ تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغيرات المناخية وبروتوكول كيوتو المنبثق عنها من أهم الأدوات التي قد تكون لها انعكاسات على استهلاك البترول وتجارته في المدى البعيد عند تطبيق البروتوكول والاتفاقية، وبالتالي على اقتصادات الدول العربية المنتجة للبترول. التي تعتمد أساساً على هذا المصدر إذ يضع البروتوكول والاتفاقية مساراً لدول الملحق الأول في الاتفاقية وهي الدول الصناعية لتخفيض انبعاثات ما يعرف بغازات الاحتباس الحراري ووضع آليات ضمن البروتوكول لهذا الغرض. وتعمل العديد من الدول الصناعية ضمن التكتلات الاقتصادية بإصدار وسن قوانين للحد من الاعتماد على النفط الخام (الوقود الأحفوري).

ويجب أن نكون حذرين كدول منتجة للبترول والغاز عند تطبيق هذه الاتفاقيات لكون دولنا تعتمد اعتماداً مباشراً على النفط والغاز كمصدر وحيد أو شبه وحيد في اقتصادياتها ومواردها المالية للأغراض التنموية والاجتماعية.

والنقطة الأخرى التي نرى ضرورة الإشارة إليها في هذه العجالة هي ظهور البترول والغاز الصخري في الأعوام الأخيرة كعنصر هام في مزيج الطاقة. حيث تعتمد إمكانية استثمار مصادر البترول الصخري، على العامل الاقتصادي والنضج التقني. وقد أدى التطور التقني في مجالات الاستكشاف والإنتاج في بعض دول العالم إلى إيجاد طرق جديدة رفعت جزئياً من كفاءة الاستخلاص وذللت بعض الصعاب التي تواجه عمليات إنتاج هذه المصادر، وحسنت اقتصاديات استثمارها.

وتشير الدراسات إلى تواجد احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي والنفط الصخريين في بعض البلدان العربية كالأردن والمغرب والسعودية والجزائر إلا أن هناك حالة من الترقب بشأن النفط غير التقليدي (الصخري) ، إذ تتضارب الأرقام والتقديرات بشأن كلفة استخراجه اقتصادياً وتأثيره بيئياً إضافة إلى أن كلفة استخراج برميل منه تزيد على نظيره التقليدي (ما بين 80 – 85 دولار للبرميل). ويبدو أن معظم التقارير التي تصدر عن النفط الصخري فيها الكثير من التسرع والمبالغة، إلا أنه يبقى من الضروري على الدول المنتجة والمصدرة للبترول التقليدي أن تراقب الوضع عن كثب، وتحضر نفسها للتعامل مع جديد التطورات. رغم أننا لا نعتقد بأن الطلب العالمي على النفط التقليدي سيتأثر في المدى القصير والمتوسط بسبب ظهور النفط الصخري بل سيحافظ النفط التقليدي على مكانته لعقود طويلة قادمة.

أصحاب المعالي ، الحضور الكريم،،

ختاما أود التأكيد على أن إيجاد سوق نفطية متوازنة ومستقرة تلبى تطلعات المنتجين والمستهلكين على حد سواء يعتبر أمرا ضروريا لحفز الدول المنتجة والمصدرة لزيادة استثماراتها النفطية، إذ يجب أن تكون هناك حالة من اليقين على ضمان الطلب العالمي على النفط في المدى المتوسط والبعيد لتبرير هذه الاستثمارات الضخمة في القطاع البترولي، نظرا لكلفتها المالية الباهظة. بمعنى أنه عندما نتحدث عن مبدأ أمن الطاقة (Energy Security) فإننا نرى بأن يشمل ذلك ضمان الطلب العالمي على الطاقة مقابل مبدأ ضمان إمدادات الطاقة. "Security of Demand: Versus Security of Supply".

شكراً لحسن استماعكم ،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،